فصل: مَنْ قَالَ: لاَ آذَانَ لِلْعِيدَيْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


كِتَابُ صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى فِي سِيَاقِ شَهْرِ رَمَضَانَ‏:‏ ‏{‏وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ‏}‏، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ- يَعْنِي الْهِلاَلَ- فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا صَامَ النَّاسُ شَهْرَ‏.‏ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةٍ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةٍ ثُمَّ صَامُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا ثُمَّ غُمَّ عَلَيْهِمْ الْهِلاَلُ أَفْطَرُوا، وَلَمْ يُرِيدُوا شُهُودًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ صَامُوا تِسْعًا، وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ غُمَّ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا حَتَّى يُكْمِلُوا ثَلاَثِينَ أَوْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ ثَلاَثِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ، وَمُنْفَرِدَيْنِ، وَلاَ يُقْبَلُ عَلَى الْفِطْرِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَلاَ فِي مَقْطَعِ حَقٍّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِشَاهِدِينَ وَشَرَطَ الْعَدْلَ فِي الشُّهُودِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُجِيزُ فِي الْفِطْرِ إلَّا شَاهِدَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي يَوْمِ ثَلاَثِينَ أَنَّ الْهِلاَلَ كَانَ بِالْأَمْسِ، أَفْطَرَ النَّاسُ أَيْ سَاعَةَ عَدَلَ الشَّاهِدَانِ، فَإِنْ عَدَلاَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلاَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا يَوْمَهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلاَ الْغَدَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي، وَقْتٍ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَمْ يُعْمَلْ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَلِمَ لاَ يَكُونُ النَّهَارُ وَقْتًا لَهُ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ صَلاَةَ الْعِيدِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَسَنَّ مَوَاقِيتَ الصَّلاَةِ، وَكَانَ فِيمَا سُنَّ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ، وَقْتُ صَلاَةٍ مَضَى وَقْتُ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ آخِرَ وَقْتِهَا إلَّا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا صَلاَةٌ تُجْمَعُ فِيهَا، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ مِنْ الْغَدِ إلَى عِيدِهِمْ قُلْنَا بِهِ، وَقُلْنَا أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ خَرَجَ بِهِمْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ، وَقُلْنَا يُصَلِّي فِي يَوْمِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا جَازَ أَنْ يَزُولَ فِيهِ ثُمَّ يُصَلِّي جَازَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي يَوْمِ ثَلاَثِينَ أَنَّ الْهِلاَلَ كَانَ بِالْأَمْسِ، أَفْطَرَ النَّاسُ أَيْ سَاعَةَ عَدَلَ الشَّاهِدَانِ، فَإِنْ عَدَلاَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلاَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا يَوْمَهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلاَ الْغَدَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي، وَقْتٍ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَمْ يُعْمَلْ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَلِمَ لاَ يَكُونُ النَّهَارُ وَقْتًا لَهُ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ صَلاَةَ الْعِيدِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَسَنَّ مَوَاقِيتَ الصَّلاَةِ، وَكَانَ فِيمَا سُنَّ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ، وَقْتُ صَلاَةٍ مَضَى وَقْتُ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ آخِرَ وَقْتِهَا إلَّا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا صَلاَةٌ تُجْمَعُ فِيهَا، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ مِنْ الْغَدِ إلَى عِيدِهِمْ قُلْنَا بِهِ، وَقُلْنَا أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ خَرَجَ بِهِمْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ، وَقُلْنَا يُصَلِّي فِي يَوْمِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا جَازَ أَنْ يَزُولَ فِيهِ ثُمَّ يُصَلِّي جَازَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي يَوْمِ ثَلاَثِينَ أَنَّ الْهِلاَلَ كَانَ بِالْأَمْسِ، أَفْطَرَ النَّاسُ أَيْ سَاعَةَ عَدَلَ الشَّاهِدَانِ، فَإِنْ عَدَلاَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلاَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا يَوْمَهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلاَ الْغَدَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي، وَقْتٍ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَمْ يُعْمَلْ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَلِمَ لاَ يَكُونُ النَّهَارُ وَقْتًا لَهُ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ صَلاَةَ الْعِيدِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَسَنَّ مَوَاقِيتَ الصَّلاَةِ، وَكَانَ فِيمَا سُنَّ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ، وَقْتُ صَلاَةٍ مَضَى وَقْتُ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ آخِرَ وَقْتِهَا إلَّا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا صَلاَةٌ تُجْمَعُ فِيهَا، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ مِنْ الْغَدِ إلَى عِيدِهِمْ قُلْنَا بِهِ، وَقُلْنَا أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ خَرَجَ بِهِمْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ، وَقُلْنَا يُصَلِّي فِي يَوْمِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا جَازَ أَنْ يَزُولَ فِيهِ ثُمَّ يُصَلِّي جَازَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَلَمْ يُعْرَفُوا بِعَدْلٍ أَوْ جُرِحُوا فَلَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلاَةَ الْعِيدِ لِأَنْفُسِهِمْ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى مُسْتَتِرِينَ، وَنَهَيْتهمْ أَنْ يُصَلُّوهَا ظَاهِرِينَ، وَإِنَّمَا أَمَرْتهمْ أَنْ يُصَلُّوا مُسْتَتِرِينَ، وَنَهَيْتهمْ أَنْ يُصَلُّوا ظَاهِرِينَ لِئَلَّا يُنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَيَطْمَعَ أَهْلُ الْفُرْقَةِ فِي فِرَاقِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ، وَاحِدٌ فَلَمْ يَعْدِلْ لَمْ يَسَعْهُ إلَّا الْفِطْرُ، وَيُخْفِي فِطْرَهُ لِئَلَّا يُسِيءَ أَحَدٌ الظَّنَّ بِهِ، وَيُصَلِّي الْعِيدَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَشْهَدُ بَعْدُ إنْ شَاءَ الْعِيدَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَيَكُونُ نَافِلَةً خَيْرًا لَهُ، وَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْعُدُولِ، وَلاَ شَهَادَةُ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَا قَرَوِيَّيْنِ أَوْ بَدَوِيَّيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ فَجَاءَهُمْ شَاهِدَانِ بِأَنَّ هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ رُئِيَ عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ نَهَارًا بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ فَهُوَ هِلاَلُ لَيْلَةِ السَّبْتِ لِأَنَّ الْهِلاَلَ يُرَى نَهَارًا، وَهُوَ هِلاَلُ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لاَ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رُؤْيَتُهُ لَيْلَةَ كَذَا فَأَمَّا رُؤْيَتُهُ بِنَهَارٍ فَلاَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُئِيَ بِالْأَمْسِ، وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بَعْدَمَا مَضَى النَّهَارُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ أَنَّهُمْ صَامُوا يَوْمَ الْفِطْرِ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَوْا هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ رُئِيَ قَبْلَ رُؤْيَتِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَوْا هِلاَلَ شَوَّالٍ لَيْلَةَ ثَلاَثِينَ أَفْطَرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَخَرَجُوا لِلْعِيدِ مِنْ غَدِهِمْ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلَّذِينَ عَلِمُوا الْفِطْرَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلُوا الصَّوْمَ لِأَنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَعْلَمُوهُ إلَّا بَعْدَ إكْمَالِهِمْ الصَّوْمَ فَلَمْ يَكُونُوا مُفْطِرِينَ بِشَهَادَةِ أُولَئِكَ عَلِمُوهُ، وَهُمْ فِي الصَّوْمِ فَأَفْطَرُوا بِشَهَادَةٍ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءِ بْنِ إبْرَاهِيمَ مَوْلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «الْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعِبَادُ الظَّاهِرَ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى مَا وَصَفْت أَنْ أَفْطَرَ إلَّا يَوْمَ أَفْطَرَنَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا لَنَا عَلَى مَا يَدُلُّ أَنَّ الْفِطْرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلَمْ يَعْدِلُوا أَكْمَلْنَا‏.‏ صَوْمَهُ فَعَدَلُوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَمْ نَخْرُجْ لِلْعِيدِ لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْفِطْرَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَبْلُ يُكْمِلُ صَوْمَهُ، وَإِنَّمَا وَقَفْنَاهُ عَلَى تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ فَلَمَّا عُدِلَتْ كَانَ الْفِطْرُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بِشَهَادَتِهِمْ‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَعْدِلُوا حَتَّى تَحِلَّ صَلاَةُ الْعِيدِ صَلَّيْنَاهَا، وَإِنْ عَدَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّنَا‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا عَدَلُوا فَإِنْ كُنَّا نَقَصَنَا مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ يَوْمٌ بِأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْنَا أَوْ صُمْنَا يَوْمَ الْفِطْرِ قَضَيْنَا يَوْمًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْعِيدُ يَوْمُ الْفِطْرِ نَفْسُهُ، وَالْعِيدُ الثَّانِي يَوْمُ الْأَضْحَى نَفْسُهُ، وَذَلِكَ يَوْمُ عَاشِرٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ عَرَفَةَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالشَّهَادَةُ فِي هِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ لِيُسْتَدَلَّ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ الْعِيدِ، وَأَيَّامِ مِنًى كَهِيَ فِي الْفِطْرِ لاَ تَخْتَلِفُ فِي شَيْءٍ يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِيهَا، وَيُرَدُّ فِيهَا مَا يُرَدُّ فِيهَا، وَيَجُوزُ الْحَجُّ إذَا وُقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى الرَّوِيَّةِ، وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ النَّحْرِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ قُلْت لِعَطَاءٍ رَجُلٌ حَجَّ فَأَخْطَأَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ أَيُجْزَى عَنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ أَيْ لَعَمْرِي إنَّهَا لَتُجْزِي عَنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحْسَبُهُ قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَرَاهُ قَالَ‏:‏ «وَعَرَفَةُ يَوْمَ تَعْرِفُونَ»‏.‏

الْعِبَادَةُ لَيْلَةُ الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ‏:‏ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْعِيدِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ‏:‏ إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى، وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ رَأَيْت مَشْيَخَةً مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ حَتَّى تَمْضِيَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، وَبَلَغْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ جُمَعٍ، وَلَيْلَةُ جُمَعٍ هِيَ لَيْلَةُ الْعِيدِ لِأَنَّ صَبِيحَتَهَا النَّحْرُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّ مَا حُكِيَتْ فِي هَذِهِ اللَّيَالِيِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا‏.‏

التَّكْبِيرُ لَيْلَةُ الْفِطْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ‏:‏ ‏{‏وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ‏}‏ قَالَ فَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنْ يَقُولَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتُكَبِّرُوا اللَّهُ عِنْدَ إكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا رَأَوْا هِلاَلَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ النَّاسُ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، وَالطُّرُقِ، وَالْمَنَازِلِ، وَمُسَافِرِينَ، وَمُقِيمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَأَيْنَ كَانُوا، وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ، وَلاَ يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حَتَّى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى، وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ، وَكَذَلِكَ أُحِبُّ فِي لَيْلَةِ الْأَضْحَى لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ فَأَمَّا الْحَاجُّ فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا سَلَمَةَ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُوَانِ إلَى الْمُصَلَّى أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ كَبَّرَ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ‏.‏

الْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَسْتَحِبُّ هَذَا كُلَّهُ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ أَوْكَدَ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ تَوَضَّأَ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ إذَا صَلَّى عَلَى طَهَارَةٍ‏.‏

قال‏:‏ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِي الْمِصْرِ لِعِيدٍ وَلاَ جِنَازَةٍ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا، وَلاَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا إلَّا طَاهِرًا كَطَهَارَتِهِ لِلصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّ كُلًّا صَلاَةٌ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ أَنْ يَغْتَسِلَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْغُسْلُ فِي الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كَانَ مَذْهَبُ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ فِي أَنَّ الْغُسْلَ فِي الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ أَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ، وَأَنْظَفُ، وَأَنْ قَدْ فَعَلَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ لاَ أَنَّهُ حَتْمٌ بِأَنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ ابْنِ أَبِي وَدَاعَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ إذَا غَدَا إلَى الْمُصَلَّى‏.‏

وَقْتُ الْغُدُوِّ إلَى الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ بِنَجْرَانَ أَنْ عَجِّلْ الْغُدُوَّ إلَى الْأَضْحَى، وَأَخِّرْ الْفِطْرَ، وَذَكِّرْ النَّاسَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْدُو إلَى الْعِيدَيْنِ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَيَتِمُّ طُلُوعُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَغْدُو إلَى الْأَضْحَى قَدْرَ مَا يُوَافِي الْمُصَلَّى حِينَ تَبْرُزُ الشَّمْسُ، وَهَذَا أَعْجَلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيُؤَخِّرُ الْغُدُوَّ إلَى الْفِطْرِ عَنْ ذَلِكَ قَلِيلاً غَيْرَ كَثِيرٍ‏.‏

قال‏:‏ وَالْإِمَامُ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَالِ النَّاسِ أَمَّا النَّاسُ فَأُحِبُّ أَنْ يَتَقَدَّمُوا حِينَ يَنْصَرِفُونَ مِنْ‏.‏ الصُّبْحِ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَلِيَنْتَظِرُوا الصَّلاَةَ فَيَكُونُوا فِي أَجْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا دَامُوا يَنْتَظِرُونَهَا، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّهُ إذَا غَدَا لَمْ يَجْعَلْ، وَجْهَهُ إلَّا إلَى الْمُصَلَّى فَيُصَلِّي، وَقَدْ غَدَا قَوْمٌ حِينَ صَلَّوْا الصُّبْحَ، وَآخَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ غَدَا الْإِمَامُ حِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ، وَصَلَّى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُعِدْ، وَلَوْ صَلَّى قَبْلَ الشَّمْسِ أَعَادَ لِأَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ، وَقْتِ الْعِيدِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى ابْنِهِ، وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ‏:‏ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْعِيدِ فَاغْدُ إلَى الْمُصَلَّى، وَكُلُّ هَذَا وَاسِعٌ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ نِسْطَاسٍ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ الْمُسَيِّبِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى، وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أُرْجُوَانٌ، وَعِمَامَةٌ سَوْدَاءُ غَادِيًا فِي الْمَسْجِدِ إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ حِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ هَذَا وَاسِعٌ إذَا وَافَى الصَّلاَةَ، وَأَحِبَّهُ إلَيَّ أَنْ يَتَمَهَّلَ لِيَأْخُذَ مَجْلِسًا‏.‏

الْأَكْلُ قَبْلَ الْعِيدِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَلاَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ قَبْلَ الْغُدُوِّ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ يَوْمَ الْفِطْرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطْعَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجَبَّانِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَأْمُرُ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَنَحْنُ نَأْمُرُ مَنْ أَتَى الْمُصَلَّى أَنْ يَطْعَمَ وَيَشْرَبَ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَمَرْنَاهُ بِذَلِكَ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ الْمُصَلَّى إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ، وَلاَ نَأْمُرُهُ بِهَذَا يَوْمَ الْأَضْحَى، وَإِنْ طَعِمَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ‏.‏

الزِّينَةُ لِلْعِيدِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حَبَرَةٍ فِي كُلِّ عِيدٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتِمُ فِي كُلِّ عِيدٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأُحِبُّ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ فِي الْأَعْيَادِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَمَحَافِلِ النَّاسِ، وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خَاصَّةً نَظِيفًا مُتَبَذِّلاً، وَأُحِبُّ الْعِمَامَةَ فِي الْبَرْدِ وَالْحَرِّ لِلْإِمَامِ، وَأُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا أَحْبَبْتُ لِلْإِمَامِ مِنْ النَّظَافَةِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَلُبْسِ أَحْسَنِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ اسْتِحْبَابِي لِلْعَمَائِمِ لَهُمْ لَيْسَ كَاسْتِحْبَابِهَا لِلْإِمَامِ، وَمَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ طَاهِرًا تَجُوزُ لَهُ الصَّلاَةُ، وَلاَبِسًا مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الصَّلاَةُ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأُحِبُّ إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْأَعْيَادَ وَالصَّلَوَاتِ يَحْضُرْنَهَا نَظِيفَاتٍ بِالْمَاءِ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ، وَلاَ يَلْبَسْنَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ وَلاَ زِينَةٍ، وَأَنْ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا قَصِدَةً مِنْ الْبَيَاضِ وَغَيْرِهِ، وَأَكْرَهُ لَهُنَّ الصِّبَغَ كُلَّهَا فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الزِّينَةَ وَالشُّهْرَةَ أَوْ هُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَلْبَسُ الصِّبْيَانُ أَحْسَنَ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَيَلْبَسُونَ الْحُلِيَّ وَالصِّيَغَ، وَإِنْ حَضَرَتْهَا امْرَأَةٌ حَائِضٌ لَمْ تُصَلِّ، وَدَعَتْ، وَلَمْ أَكْرَهْ لَهَا ذَلِكَ، وَأَكْرَهْ لَهَا أَنْ تَحْضُرَهَا غَيْرَ حَائِضٍ إلَّا طَاهِرَةً لِلصَّلاَةِ لِأَنَّهَا لاَ تَقْدِرُ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَأَكْرَهُ حُضُورَهَا إلَّا طَاهِرَةً إذَا كَانَ الْمَاءُ يُطَهِّرُهَا‏.‏

الرُّكُوبُ إلَى الْعِيدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ‏:‏ مَا رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيدٍ، وَلاَ جِنَازَةٍ قَطُّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُرْكَبَ فِي عِيدٍ، وَلاَ جِنَازَةٍ إلَّا أَنْ يَضْعُفَ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَنْ الْمَشْيِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ، وَإِنْ رَكِبَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الرَّبِيعُ هَذَا عِنْدَنَا عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْعِيدِ، وَالْجِنَازَةِ فَأَمَّا الرُّجُوعُ مِنْهُمَا فَلاَ بَأْسَ‏.‏

الْإِتْيَانُ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الَّتِي غَدَا مِنْهَا

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْدُو مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى، فَأُحِبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، وَالْعَامَّةِ، وَإِنْ غَدَوْا وَرَجَعُوا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْدُو يَوْمَ الْعِيدِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُخْرَى عَلَى دَارِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ الْمُصَلَّى يَوْمَ عِيدٍ فَسَلَكَ عَلَى التَّمَّارِينَ مِنْ أَسْفَلِ السُّوقِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْأَعْرَجِ الَّذِي هُوَ عِنْدَ مَوْضِعِ الْبَرَكَةِ الَّتِي بِالسُّوقِ قَامَ فَاسْتَقْبَلَ فَجَّ أَسْلَمَ فَدَعَا ثُمَّ انْصَرَفَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ الْإِمَامُ مِثْلَ هَذَا وَأَنْ يَقِفَ فِي مَوْضِعٍ فَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ كَفَّارَةَ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ‏.‏

الْخُرُوجُ إلَى الْأَعْيَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ بَعْدَهُ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ صَلَّى بِهِمْ عِيدًا إلَّا فِي مَسْجِدِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحْسَبُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ خَيْرُ بِقَاعِ الدُّنْيَا فَلَمْ يُحِبُّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ صَلاَةٌ إلَّا فِيهِ مَا أَمْكَنَهُمْ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ‏.‏ كَانَ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ هَذِهِ السَّعَةُ فِي أَطْرَافِ الْبُيُوتِ بِمَكَّةَ سَعَةً كَبِيرَةً، وَلَمْ أَعْلَمْهُمْ صَلَّوْا عِيدًا قَطُّ، وَلاَ اسْتِسْقَاءً إلَّا فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ عَمَرَ بَلَدٌ فَكَانَ مَسْجِدُ أَهْلِهِ يَسَعُهُمْ فِي الْأَعْيَادِ لَمْ أَرَ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَإِنْ خَرَجُوا فَلاَ بَأْسَ، وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسَعُهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ إمَامٌ فِيهِ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ وَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ مِنْ الْمَطَرِ أَوْ غَيْرِهِ أَمَرْتُهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلاَ يَخْرُجَ إلَى صَحْرَاءَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ حَدِّثْهُمْ فَأَخَذَ يَحْكِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

الصَّلاَةُ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ‏:‏ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ بِالْمُصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا، وَلاَ بَعْدَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ انْفَتَلَ إلَى النِّسَاءِ فَخَطَبَهُنَّ قَائِمًا، وَأَمَرَ بِالصَّدَقَةِ قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ النِّسَاءُ يَتَصَدَّقْنَ بِالْقُرْطِ وَأَشْبَاهِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ غَدَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعِيدِ إلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَ الْعِيدِ وَلاَ بَعْدَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِمَا أَمَرَنَا بِهِ أَنْ يَغْدُوَ مِنْ مَنْزِلِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ صَلاَةُ النَّافِلَةِ وَنَأْمُرُهُ إذَا جَاءَ الْمُصَلَّى أَنْ يَبْدَأَ بِصَلاَةِ الْعِيدِ وَنَأْمُرُهُ إذَا خَطَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَمُخَالِفٌ لِلْإِمَامِ لِأَنَّا نَأْمُرُ الْمَأْمُومَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا، وَنَأْمُرُ الْإِمَامَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْخُطْبَةِ ثُمَّ بِالْجُمُعَةِ لاَ يَتَنَفَّلُ، وَنُحِبُّ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ حَتَّى تَكُونَ نَافِلَتُهُ فِي بَيْتِهِ، وَأَنَّ الْمَأْمُومَ خِلاَفُ الْإِمَامِ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ يَتَنَفَّلَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَفِي الْمَسْجِدِ وَطَرِيقِهِ وَالْمُصَلَّى وَحَيْثُ أَمْكَنَهُ التَّنَفُّلُ إذَا حَلَّتْ صَلاَةُ النَّافِلَةِ بِأَنْ تَبْرُزَ الشَّمْسُ، وَقَدْ تَنَفَّلَ قَوْمٌ قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيدِ، وَبَعْدَهَا، وَآخَرُونَ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَتَنَفَّلُوا بَعْدَهَا، وَآخَرُونَ بَعْدَهَا، وَلَمْ يَتَنَفَّلُوا قَبْلَهَا وَآخَرُونَ تَرَكُوا التَّنَفُّلَ قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا، وَهَذَا كَمَا يَكُونُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَتَنَفَّلُونَ، وَلاَ يَتَنَفَّلُونَ وَيَتَنَفَّلُونَ فَيُقِلُّونَ وَيُكْثِرُونَ، وَيَتَنَفَّلُونَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَاتِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَهَا، وَلاَ يَتَنَفَّلُونَ بَعْدَهَا، وَيَدَعُونَ التَّنَفُّلَ قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا لِأَنَّ كُلَّ هَذَا مُبَاحٌ، وَكَثْرَةُ الصَّلَوَاتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَحَبُّ إلَيْنَا‏.‏

قال‏:‏ وَجَمِيعُ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهَا ظَاهِرًا إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ وَلاَ بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ أَبِي مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى وَشُرَيْحٍ وَابْنِ مَعْقِلٍ وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا كَانَا يُصَلِّيَانِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كُنَّا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لاَ نُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى نَأْتِيَ الْمُصَلَّى فَإِذَا رَجَعْنَا مَرَرْنَا بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّيْنَا فِيهِ‏.‏

مَنْ قَالَ‏:‏ لاَ آذَانَ لِلْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُؤَذَّنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَلاَ لِعُمَرَ، وَلاَ لِعُثْمَانَ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى أَحْدَثَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ، فَأَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بِالْمَدِينَةِ حِينَ أُمِّرَ عَلَيْهَا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَذَانَ إلَّا لِلْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْهُ أُذِّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا لِلْمَكْتُوبَةِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ فِي الْأَعْيَادِ، وَمَا جُمِعَ النَّاسُ لَهُ مِنْ الصَّلاَةِ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ أَوْ إنَّ الصَّلاَةَ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ هَلُمَّ إلَى الصَّلاَةِ لَمْ نَكْرَهْهُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ الْأَذَانِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى جَمِيعَ كَلاَمِ الْأَذَانِ، وَلَوْ أَذَّنَ أَوْ قَامَ لِلْعِيدِ كَرِهْتُهُ لَهُ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ‏.‏

أَنْ يُبْدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النِّسَاءِ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ هَكَذَا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْخَرْصَ وَالشَّيْءَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ يُصَلُّونَ فِي الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ أَرْسَلَ إلَيَّ مَرْوَانَ، وَالِي رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ فَمَشَى بِنَا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَذَهَبَ لِيَصْعَدَ فَجَبَذْتُهُ إلَيَّ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا سَعِيدٍ تَرَكَ الَّذِي تَعْلَمُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَهَتَفْتُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقُلْتُ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ تَأْتُونَ إلَّا شَرًّا مِنْهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَبْتَدِئُونَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى قَبْلَ الْخُطْبَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَبْدَأُ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُلُّ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُيِّرَتْ حَتَّى الصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَفِيهِ دَلاَئِلُ مِنْهَا أَنْ لاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ عَلَى رَاحِلَتِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى رَاحِلَتِهِ بَعْدَمَا يَنْصَرِفُ مِنْ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ فَمَعْلُومٌ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَائِمًا إلَى جِذْعٍ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الرِّجَالُ، وَإِنْ رَأَى أَنَّ النِّسَاءَ، وَجَمَاعَةً مِنْ الرِّجَالِ لَمْ يَسْمَعُوا خُطْبَتَهُ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ فَيَخْطُبَ خُطْبَةً خَفِيفَةً يَسْمَعُونَهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَرَّةً، وَقَدْ خَطَبَ خُطَبًا كَثِيرَةً، وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ وَتَرَكَ، وَالتَّرْكُ أَكْثَرُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الْأَعْيَادِ إلَّا قَائِمًا لِأَنَّ خُطَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ قَائِمًا إلَّا أَنْ تَكُونَ عِلَّةٌ فَتَجُوزُ الْخُطْبَةُ جَالِسًا كَمَا تَجُوزُ الصَّلاَةُ جَالِسًا مِنْ عِلَّةٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَبْدَأُ فِي الْأَعْيَادِ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ رَأَيْتُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلاَةٍ، وَلاَ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ خُطْبَةٍ، وَلاَ صَلاَةٍ، وَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جُلُوسٌ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْجُمُعَةِ‏.‏

التَّكْبِيرُ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَبَّرُوا فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا، وَصَلَّوْا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَجَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَمَرَا مَرْوَانَ أَنْ يُكَبِّرَ فِي صَلاَةِ الْعِيدِ سَبْعًا، وَخَمْسًا‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ شَهِدْت الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ كَبَّرَ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ ثُمَّ افْتَتَحَ كَمَا يَفْتَتِحُ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ‏:‏ وَجَّهْت وَجْهِي، وَمَا بَعْدَهَا ثُمَّ كَبَّرَ سَبْعًا لَيْسَ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ قَرَأَ وَرَكَعَ، وَسَجَدَ فَإِذَا قَامَ فِي الثَّانِيَةِ قَامَ بِتَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ ثُمَّ كَبَّرَ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ ثُمَّ قَرَأَ، وَرَكَعَ، وَسَجَدَ كَمَا وَصَفْتُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يُشْبِهُونَ أَنْ يَكُونُوا إنَّمَا حَكُّوا مِنْ تَكْبِيرِهِ مَا أَدْخَلَ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ التَّكْبِيرِ مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّلاَةِ غَيْرُهُ، وَكَمَا لَمْ يُدْخِلُوا التَّكْبِيرَةَ الَّتِي قَامَ بِهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْخَمْسِ كَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا لَمْ يُدْخِلُوا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فِي الْأُولَى مَعَ السَّبْعِ بَلْ هُوَ أَوْلَى أَنْ لاَ يَدْخُلَ مَعَ السَّبْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ إلَّا بِهَا ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ وَجَّهْت وَجْهِي وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي يَقُومُ بِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ ثُمَّ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ السَّبْعَةِ بَعْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ فَكَبَّرَهَا ثُمَّ وَقَفَ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ آيَةٍ لاَ طَوِيلَةٍ وَلاَ قَصِيرَةٍ فَيُهَلِّلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُكَبِّرُهُ، وَيَحْمَدُهُ ثُمَّ صَنَعَ هَذَا بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ، وَإِنْ أَتْبَعَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ بَعْضًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُ بِذِكْرِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ فَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ أَوْ بَعْضَهُ حَتَّى يَفْتَتِحَ الْقِرَاءَةَ فَقَطَعَ الْقِرَاءَةَ، وَكَبَّرَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ، وَلاَ آمُرُهُ إذَا افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ أَنْ يَقْطَعَهَا‏.‏ وَلاَ إذَا فَرَغَ مِنْهَا أَنْ يُكَبِّرَ، وَآمُرُهُ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الثَّانِيَةِ تَكْبِيرَهَا، وَلاَ يَزِيدُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فِي مَوْضِعٍ إذَا مَضَى الْمَوْضِعُ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَارِكِهِ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا لاَ آمُرُهُ أَنْ يُسَبِّحَ قَائِمًا إذَا تَرَكَ التَّسْبِيحَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَاتِ السَّبْعَ وَالْخَمْسَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، وَلاَ سُجُودُ سَهْوٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لاَ يُفْسِدُ تَرْكُهُ الصَّلاَةَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَمَلاً يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَكَبَّرَ أَحْبَبْتُ أَنْ يَعُودَ لِقِرَاءَةٍ ثَانِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، وَلَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ نَفَضَ مِمَّا أَمَرْتُهُ بِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ شَيْئًا كَرِهْتُهُ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ التَّكْبِيرَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ فَيُكَبِّرَ مَا تَرَكَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا أَمَرْتُهُ بِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ شَيْئًا كَرِهْتُهُ لَهُ وَلاَ إعَادَةَ وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لاَ يُفْسِد الصَّلاَةَ، وَإِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَضَعَ كُلًّا مَوْضِعَه‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَشَكَّ هَلْ نَوَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَتُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ حِينَ شَكَّ أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَنْوِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ مَكَانَهُ ثُمَّ يَبْتَدِئَ الِافْتِتَاحَ وَالتَّكْبِيرَ وَالْقِرَاءَةَ وَلاَ يُجْزِئُهُ حَتَّى يَكُونَ فِي حَالِهِ تِلْكَ كَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ فِي تِلْكَ الْحَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كَبَّرَ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَأَنَّهُ نَوَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لاَ يَدْرِي أَهِيَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ أَوْ الْآخِرَةُ مِنْ تَكْبِيرِهِ افْتَتَحَ تِلْكَ الصَّلاَةَ بِقَوْلِ‏:‏ وَجَّهْت وَجْهِي، وَمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ مُسْتَيْقِنٌ لِأَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ ابْتَدَأَ تَكْبِيرَهُ سَبْعًا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ كَبَّرَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ لاَ يَدْرِي أَوَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ‏؟‏ بَنَى عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ مِنْ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَبَّرَ لِافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ حَتَّى كَبَّرَ لِلْعِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِفْتَاحَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْتِحَ فَإِنْ فَعَلَ أَحْبَبْتُ أَنْ يُعِيدَ تَكْبِيرَهُ لِلْعِيدِ سَبْعًا حَتَّى تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ إعَادَةَ وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ‏.‏

رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ وَحِين أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَرْفَعْ فِي السُّجُودِ‏.‏ فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ ذِكْرِ تَكْبِيرَةٍ، وَقَوْلَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَكَانَ حِينَ يَذْكُرُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ رَافِعًا يَدَيْهِ قَائِمًا أَوْ رَافِعًا إلَى قِيَامٍ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَرْفَعُ الْمُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ كَانَ قَائِمًا فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَالسَّبْعُ بَعْدَهَا، وَالْخَمْسُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ مِنْ الصَّلاَةِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ بَعْضَهُ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ لِلتَّكْبِيرِ عَلَيْهِ، وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَإِذَا كَبَّرَ لِسَجْدَةٍ سَجَدَهَا شُكْرًا أَوْ سَجْدَةٍ لِسُجُودِ الْقُرْآنِ كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِأَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِتَكْبِيرٍ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى قَاعِدًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ وَكَذَلِكَ صَلاَةُ النَّافِلَةِ، وَكُلُّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِأَنَّهُ كُلٌّ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ‏.‏

الْقِرَاءَةُ فِي الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ‏:‏ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِـ ‏{‏ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ‏}‏، وَ‏{‏اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بـ ‏{‏ق‏}‏ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِـ ‏{‏اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ‏}‏ وَكَذَلِكَ أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ‏{‏إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا‏}‏ أَحْبَبْتُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا وَصَفْتُ أَجْزَأَهُ مَا قَرَأَ بِهِ مَعَهَا أَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَجْزَأَتْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ مِنْ غَيْرِهَا، وَلاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهَا مِنْهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنْ خَافَتْ بِهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ كَرِهْتُ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ‏.‏

الْعَمَلُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالتَّشَهُّدُ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ كَهُوَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لاَ يَخْتَلِفُ، وَلاَ قُنُوتَ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ وَلاَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنْ قَنَتَ عِنْدَ نَازِلَةٍ لَمْ أَكْرَهْ‏.‏ وَإِنْ قَنَتَ عِنْدَ غَيْرِ نَازِلَةٍ كَرِهْتُ لَهُ‏.‏

الْخُطْبَةُ عَلَى الْعَصَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَطَبَ اعْتَمَدَ عَلَى عَصًا، وَقَدْ قِيلَ خَطَبَ مُعْتَمِدًا عَلَى عَنَزَةٍ، وَعَلَى قَوْسٍ وَكُلُّ ذَلِكَ اعْتِمَادٌ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَطَبَ يَعْتَمِدُ عَلَى عَنَزَتِهِ اعْتِمَادًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ أَيَّ خُطْبَةٍ كَانَتْ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ تَرَكَ الِاعْتِمَادَ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ يَدَيْهِ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ، وَلاَ يَعْبَثُ بِيَدَيْهِ إمَّا أَنْ يَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَإِمَّا أَنْ يُسْكِنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَتَرَكَ مَا أَحْبَبْتُ لَهُ كُلَّهُ أَوْ عَبِثَ بِهِمَا أَوْ، وَضَعَ الْيُسْرَى عَلَى الْيَمَنِيِّ كَرِهْتُهُ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ‏.‏

الْفَصْلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ فِي الْعِيدَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَخُطْبَةُ الْكُسُوفِ، وَخُطْبَةُ الْحَجِّ، وَكُلُّ خُطْبَةِ جَمَاعَةٍ‏.‏

قال‏:‏ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ فِي هَذَا كُلِّهِ إذَا ظَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُسَلِّمُ، وَيَرُدُّ النَّاسُ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنَّ هَذَا يُرْوَى عَالِيًا ثُمَّ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَ يَطْلُعُ عَلَيْهِ جِلْسَةً خَفِيفَةً كَجُلُوسِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْأَذَانِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى جِلْسَةً أَخَفَّ مِنْ هَذِهِ أَوْ مِثْلَهَا ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَنْزِلُ‏.‏

قال‏:‏ فَالْخُطَبُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْتُ وَفِي أَنْ لاَ يَدَعَ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي وَأُمِّي هُوَ أَوَّلَ كَلاَمِهِ وَآخِرَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ عَلَى مِنْبَرٍ وَعَلَى بِنَاءٍ وَتُرَابٍ مُرْتَفِعٍ وَعَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى رَاحِلَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ خَطَبَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَتَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا أَمَرْتُهُ بِهِ فِيهَا فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ تُخَالِفُ هَذَا فَإِنْ تَرَكَهَا صَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا لِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ جُمُعَةً بِالْخُطْبَةِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ، صُلِّيَتْ ظُهْرًا، كُلُّ مَا سِوَى الْجُمُعَةِ لاَ يُحِيلُ فَرْضًا إلَى غَيْرِهِ‏.‏

التَّكْبِيرُ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ‏:‏ السُّنَّةُ فِي التَّكْبِيرِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهَا بِكَلاَمٍ ثُمَّ يَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَةً ثُمَّ يَقُومُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَيَفْتَتِحُهَا بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهَا بِكَلاَمٍ ثُمَّ يَخْطُبُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الْأُولَى مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ تِسْعٌ، وَفِي الْآخِرَةِ سَبْعٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِقَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَقُولُ فَنَأْمُرُ الْإِمَامَ إذَا قَامَ يَخْطُبُ الْأُولَى أَنْ يُكَبِّرَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى لاَ كَلاَمَ بَيْنَهُنَّ فَإِذَا قَامَ لِيَخْطُبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ أَنْ يُكَبِّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِكَلاَمٍ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يُوفِيَ سَبْعًا فَإِنْ أَدْخَلَ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ الْحَمْدَ وَالتَّهْلِيلَ كَانَ حَسَنًا، وَلاَ يُنْقِصُ مِنْ عَدَدِ التَّكْبِيرِ شَيْئًا، وَيَفْصِلُ بَيْنَ خُطْبَتَيْهِ بِتَكْبِيرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ أُثْبِتَ لَهُ كِتَابٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى إحْدَى أَوْ ثَلاَثًا وَخَمْسِينَ تَكْبِيرَةً فِي فُصُولِ الْخُطْبَةِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْكَلاَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ يَوْمَ فِطْرٍ فَظَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ إنَّ شِعَارَ هَذَا الْيَوْمِ التَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ ثُمَّ كَبَّرَ مِرَارًا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ تَشَهَّدَ لِلْخُطْبَةِ ثُمَّ فَصَلَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ بِتَكْبِيرَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ أَوْ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ بَعْضَ مَا أَمَرْتُهُ بِهِ كَرِهْتُهُ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ‏.‏

اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأُحِبُّ لِمَنْ حَضَرَ خُطْبَةَ عِيدٍ أَوْ اسْتِسْقَاءٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ كُسُوفٍ أَنْ يُنْصِتَ وَيَسْتَمِعَ، وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ أَحَدٌ حَتَّى يَسْتَمِعَ الْخُطْبَةَ فَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ تَرَكَ الِاسْتِمَاعَ أَوْ انْصَرَفَ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلاَ كَفَّارَةَ، وَلَيْسَ هَذَا كَخُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ صَلاَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ أُحِبُّ لِلْمَسَاكِينِ إنْ حَضَرُوا أَنْ يَسْتَمِعُوا الْخُطْبَةَ، وَيَكُفُّوا عَنْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَتْرُكُ الْمَسَاكِينَ يَطُوفُونَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ فِي الْمُصَلَّى فِي خُطْبَتِهِ الْأُولَى يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَإِذَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ الْآخِرَةَ أَمَرَ بِهِمْ فَأُجْلِسُوا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ الْأُولَى وَالْآخِرَةُ أَكْرَهُ لَهُمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَّا تَرْكَ الْفَضْلِ فِي الِاسْتِمَاعِ‏.‏

اجْتِمَاعُ الْعِيدَيْنِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ فَلْيَجْلِسْ فِي غَيْرِ حَرَجٍ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ‏:‏ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى الْإِمَامُ الْعِيدَ حِينَ تَحِلُّ الصَّلاَةُ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي أَنْ يَنْصَرِفُوا إنْ شَاءُوا إلَى أَهْلِيهِمْ، وَلاَ يَعُودُونَ إلَى الْجُمُعَةِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا حَتَّى يَجْمَعُوا أَوْ يَعُودُوا بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ إنْ قَدَرُوا حَتَّى يَجْمَعُوا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ حَرَجَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ أَنْ يُدْعَوْا أَنْ يَجْمَعُوا إلَّا مِنْ عُذْرٍ يَجُوزُ لَهُمْ بِهِ تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ عِيدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا إنْ كَانَ يَوْمَ الْأَضْحَى لاَ يَخْتَلِفُ إذَا كَانَ بِبَلَدٍ يَجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيُصَلِّي الْعِيدَ، وَلاَ يُصَلِّي أَهْلُ مِنًى صَلاَةَ الْأَضْحَى، وَلاَ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمِصْرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفِطْرِ بَدَأَ بِصَلاَةِ الْعِيدِ ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ إنْ لَمْ تَنْجَلِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَالْإِمَامُ فِي صَلاَةِ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ خَطَبَ لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ مَعًا خُطْبَتَيْنِ يَجْمَعُ الْكَلاَمَ لِلْكُسُوفِ، وَلِلْعِيدِ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ لِصَلاَةِ الْعِيدِ ثُمَّ كَسَفَتْ الشَّمْسُ خَفَّفَ الْخُطْبَتَيْنِ مَعًا، وَنَزَلَ فَصَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ لِلْكُسُوفِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ أَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ بِالِانْصِرَافِ كَمَا وَصَفْتُ، وَلاَ يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ قَدَرَ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ وَافَقَ هَذَا يَوْمَ فِطْرٍ وَجُمُعَةٍ وَكُسُوفٍ وَجَدْبٍ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَخَّرَ صَلاَةَ الِاسْتِسْقَاءِ إلَى الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَاسْتَسْقَى فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الِاسْتِسْقَاءَ ثُمَّ خَطَبَ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ‏:‏ يَبْدَأُ بِالْكُسُوفِ ثُمَّ بِالْعِيدِ مَا لَمْ تَزَلْ الشَّمْسُ ثُمَّ بِالْجُمُعَةِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ لِأَنَّ لِكُلِّ هَذَا وَقْتًا وَلَيْسَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَقْتٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ أَوْجَبُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ يَمْنَعُ مَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ قَلِيلاً مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ اتَّفَقَ الْعِيدُ، وَالْكُسُوفُ فِي سَاعَةٍ صَلَّى الْكُسُوفَ قَبْلَ الْعِيدِ لِأَنَّ وَقْتَ الْعِيدِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتَ الْكُسُوفِ ذَهَابُ الْكُسُوفِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْعِيدِ فَفَرَغَ مِنْ الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَخَطَبَ لَهُمَا مَعًا، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ الصَّلاَةِ، وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ خَطَبَ لِلْعِيدِ، وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَ فِيهِ الْكُسُوفَ‏.‏

مَنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْعِيدَيْنِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلَّى الْعِيدَانِ وَالْكُسُوفُ بِالْبَادِيَةِ الَّتِي لاَ جُمُعَةَ فِيهَا، وَتُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا، وَالْعَبْدُ فِي مَكَانِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحَالَةِ فَرْضٍ، وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَنْ صَلَّاهَا صَلَّاهَا كَصَلاَةِ الْإِمَامِ بِتَكْبِيرِهِ، وَعَدَدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ، وَوَجَدَ الْإِمَامَ يَخْطُبُ جَلَسَ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ صَلَّى صَلاَةَ الْعِيدِ فِي مَكَانِهِ أَوْ بَيْتِهِ أَوْ طَرِيقِهِ كَمَا يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ بِكَمَالِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ مَنْ فَاتَتْهُ أَوْ تَرَكَهَا مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ صَلاَةُ الْكُسُوفِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ إنْ صَلَّى قَوْمٌ مُسَافِرُونَ صَلاَةَ عِيدٍ أَوْ كُسُوفٍ أَنْ يَخْطُبَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي السَّفَرِ، وَفِي الْقَرْيَةِ الَّتِي لاَ جُمُعَةَ فِيهَا، وَأَنْ يُصَلُّوهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمِصْرِ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَخْطُبَهُمْ أَحَدٌ فِي الْمِصْرِ إذَا كَانَ فِيهِ إمَامٌ خَوْفَ الْفُرْقَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا شَهِدَ النِّسَاءُ الْجُمُعَةَ، وَالْعِيدَيْنِ، وَشَهِدَهَا الْعَبِيدُ وَالْمُسَافِرُونَ فَهُمْ كَالْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَيُجْزِئُ كُلًّا فِيهَا مَا يُجْزِئُ كُلًّا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأُحِبُّ شُهُودَ النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ الصَّلاَةَ، وَالْأَعْيَادَ، وَأَنَا لِشُهُودِهِنَّ الْأَعْيَادَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنِّي لِشُهُودِهِنَّ غَيْرَهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْعِيدَ فَوَافَى الْمُنْصَرِفِينَ فَإِنْ شَاءَ مَضَى إلَى مُصَلَّى الْإِمَامِ فَصَلِّي فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ فَصَلَّى حَيْثُ شَاءَ‏.‏

التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ يُكَبِّرُ النَّاسُ فِي الْفِطْرِ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فُرَادَى، وَجَمَاعَةً فِي كُلِّ حَالٍ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِصَلاَةِ الْعِيدِ ثُمَّ يَقْطَعُونَ التَّكْبِيرَ‏.‏

قال‏:‏ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يُكَبِّرُ خَلْفَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَغَادِيًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ يَقْطَعَ التَّكْبِيرَ، وَإِنَّمَا أَحْبَبْتُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ كَالنَّاسِ فِيمَا أُحِبُّ لَهُمْ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ كَبَّرَ النَّاسُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيُكَبِّرُ الْحَاجُّ خَلْفَ صَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُصَلُّوا الصُّبْحَ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَقْطَعُونَ التَّكْبِيرَ إذَا كَبَّرُوا خَلْفَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ إمَامُهُمْ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ فَيُكَبِّرُونَ مَعًا، وَمُتَفَرِّقِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَفِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ فِي الْحَجِّ ذِكْرَيْنِ يُجْهَرُ بِهِمَا التَّلْبِيَةُ، وَهِيَ لاَ تُقْطَعُ إلَّا بَعْدَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالصَّلاَةُ مُبْتَدَأُ التَّكْبِيرِ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ لاَ صَلاَةَ‏:‏ مِنًى بَعْدَ الصُّبْحِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ مِنًى‏.‏

قَالَ‏:‏ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ فِي الْآفَاقِ وَالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ كَذَلِكَ، وَمَنْ يَحْضُرُ مِنْهُمْ الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا وَالْحَائِضُ وَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ فِي السَّاعَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ، وَمَنْ خَلْفَهُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ وَأَكْثَرَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ الْإِمَامُ كَبَّرَ مَنْ خَلْفَهُ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْآفَاقِ كَمَا يُكَبِّرُ أَهْلُ مِنًى، وَلاَ يُخَالِفُونَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي أَنْ يَتَقَدَّمُوهُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَلَوْ ابْتَدَءُوا بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ قِيَاسًا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي الْفِطْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِالتَّكْبِيرِ مَعَ إكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُحْرِمِينَ يُلَبُّونَ فَيَكْتَفُونَ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَسْتَحِبُّ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرُوا، وَأَخَّرُوا ذَلِكَ حَتَّى يُكَبِّرُوا بِتَكْبِيرِ أَهْلِ مِنًى فَلاَ بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ خَلْفَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَإِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مَجْلِسِهِ فَيُكَبِّرَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُكَبِّرَ مَاشِيًا كَمَا هُوَ أَوْ فِي مَجْلِسٍ إنْ صَارَ إلَى غَيْرِ مَجْلِسِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَدَعُ مَنْ خَلْفَهُ التَّكْبِيرَ بِتَكْبِيرِهِ، وَلاَ يَدْعُونَهُ إنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ، وَإِنْ قَطَعَ بِحَدِيثٍ، وَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَبِّرَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ فَإِذَا سَهَا لَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى يُسَلِّمَ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏.‏

قَالَ وَإِذَا فَاتَ رَجُلاً مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلاَةِ فَكَبَّرَ الْإِمَامُ قَامَ الَّذِي فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلاَةِ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَهْوٌ سَجَدَ لَهُ؛ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ وَيُكَبِّرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ وَخَلْفَ الْفَرَائِضِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

كَيْفَ التَّكْبِيرُ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالتَّكْبِيرُ كَمَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ اللَّهُ أَكْبَرُ فَيَبْدَأُ الْإِمَامُ فَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَقُولَهَا ثَلاَثًا، وَإِنْ زَادَ تَكْبِيرًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ زَادَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَحَسَنٌ وَمَا زَادَ مَعَ هَذَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَحْبَبْتُهُ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِثَلاَثِ تَكْبِيرَاتٍ نَسْقًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ بَدَأَ بِشَيْءٍ مِنْ الذِّكْرِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّكْبِيرِ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ‏.‏

كِتَابُ صَلاَةِ الْكُسُوفِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ سُلَيْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَاَلَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ‏}‏، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَعْقِلُونَ‏}‏ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ فِي كِتَابِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا سُجُودًا إلَّا مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَمَرَ بِأَنْ لاَ يُسْجَدَ لَهُمَا، وَأَمَرَ بِأَنْ يُسْجَدَ لَهُ فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالصَّلاَةِ عِنْدَ حَادِثٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَهَى عَنْ السُّجُودِ لَهُمَا كَمَا نَهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُصَلَّى لِلَّهِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ لاَ يُؤْمَرَ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا بِالصَّلاَةِ كَمَا أُمِرَ بِهَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ صَلاَةً، وَالصَّلاَةُ فِي كُلِّ حَالٍ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَغِبْطَةٌ لِمَنْ صَلَّاهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيُصَلِّي عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ صَلاَةَ جَمَاعَةٍ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ غَيْرِهِمَا‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً قَالَ نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ‏:‏ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ»‏.‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاك قَدْ تَنَاوَلْتَ فِي مَقَامِك هَذَا شَيْئًا ثُمَّ رَأَيْنَاك كَأَنَّك تَكَعْكَعْت فَقَالَ‏:‏ «إنِّي رَأَيْتَ- أَوْ أُرِيتَ- الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَرَأَيْت- أَوْ أُرِيتُ- النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» فَقَالُوا‏:‏ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «بِكُفْرِهِنَّ»‏.‏ قِيلَ‏:‏ أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَةَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ‏:‏ مَا رَأَيْتُ مِنْك خَيْرًا قَطُّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصَّلاَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ بَعْدَهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ لِلسُّنَّةِ، وَالْخُطْبَةِ لِلْفَرْضِ فَقَدَّمَ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَأَخَّرَ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكَذَلِكَ صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي صَلاَةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَذُكِرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِالْفَزَعِ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَكَانَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي فَزِعَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ التَّذْكِيرُ فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِفَايَةٌ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فِعْلُهُ مِنْ الصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ ثُمَّ ذَكَرَ سُفْيَانُ مَا يُوَافِقُ هَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ‏:‏ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِلَى الصَّلاَةِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا فِيهِمَا مَعًا بِالصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إنَّ الْقَمَرَ انْكَسَفَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ ثُمَّ رَكِبَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَالَ، وَقَالَ‏:‏ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهُمَا كَاسِفًا فَلْيَكُنْ فَزَعُكُمْ إلَى اللَّهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَصَفَتْ صَلاَتَهُ‏.‏ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ قُمْتُ إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى صَلاَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَفِي قَوْلٍ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْ بِغَيْرِهِ‏.‏

وَقْتُ كُسُوفِ الشَّمْسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَمَتَى كَسَفَتْ الشَّمْسُ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّلاَةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ فَلاَ وَقْتَ يَحْرُمُ فِيهِ صَلاَةٌ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا لاَ يَحْرُمُ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ وَلاَ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَلاَ الصَّلاَةِ لِلطَّوَافِ وَلاَ الصَّلاَةِ يُؤَكِّدُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَلْزَمَهَا فَيَشْتَغِلَ عَنْهَا أَوْ يَنْسَاهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتِ صَلاَةٍ بَدَأَ بِالصَّلاَةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَدَرَ الْمُصَلِّي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَلاَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يَخْطُبَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ بَدَأَ بِصَلاَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَخَفَّفَ فِيهَا فَقَرَأَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةِ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، وَمَا أَشْبَهَهَا ثُمَّ خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ الْكُسُوفَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَجَمَعَ فِيهَا الْكَلاَمَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكُسُوفِ وَالْجُمُعَةِ، وَنَوَى بِهَا الْجُمُعَةَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ أَخَّرَ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ كَأَخَفَّ مَا تَكُونُ صَلاَتُهُ لَمْ يُدْرِكْ أَنْ يَخْطُبَ يَجْمَعُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ بَدَأَ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا، وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا، وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَتَتَامَّ تَجَلِّيهَا حَتَّى تَعُودَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْكُسُوفِ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ وَلَمْ يَقْضِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ فَإِذَا ذَهَبَ الْوَقْتُ لَمْ يَعْمَلْ‏.‏

قال‏:‏ وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ اجْتَمَعَتْ وَالْكُسُوفُ فَخِيفَ فَوْتُهَا يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ بَدَأَ بِصَلاَةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهُ لاَ وَقْتَ فِي الْخُطْبَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ بَدَأَ بِالصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَمَرَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَبَدَأَ بِالْكُسُوفِ فَإِنْ فَرَغَتْ الْجِنَازَةُ صَلَّى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا ثُمَّ صَلَّى الْعِيدَ، وَأَخَّرَ الِاسْتِسْقَاءَ إلَى يَوْمِ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْعِيدِ صَلَّى، وَخَفَّفَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ صَلاَتِهِ إلَى صَلاَةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ خَطَبَ لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ، وَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الْإِمَامِ إلَى الصَّلاَةِ بِمِنًى صَلَّوْا الْكُسُوفَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلاَةُ الظُّهْرِ‏:‏ بِمِنًى صَلَّاهَا بِمَكَّةَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدَّمَ صَلاَةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِلْمَوْقِفِ، وَخَفَّفَ صَلاَةَ الْكُسُوفِ وَالْخُطْبَةِ‏.‏

قال‏:‏ وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ بِالْمَوْقِفِ صَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَدَعَا، وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَخَطَبَ وَلَوْ حَبَسَهُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُخَفِّفُ لِئَلَّا يَحْبِسَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدَرَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ يَخَافُ أَبَدًا فَوْتَ أَحَدِهِمَا، وَلاَ يَخَافُ فَوْتَ الْآخَرِ بَدَأَ بِاَلَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الَّذِي لاَ يَخَافُ فَوْتَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ وَقْتَ صَلاَةِ الْقِيَامِ بَدَأَ بِصَلاَةِ الْخُسُوفِ، وَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ صَلاَةُ جَمَاعَةٍ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ صَلاَةُ انْفِرَادٍ فَيَبْدَأُ بِهِ قَبْلَهُمَا وَلَوْ فَاتَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى تَغِيبَ كَاسِفَةً أَوْ مُتَجَلِّيَةً لَمْ يُصَلُّوا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَسَفَ الْقَمَرُ فَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى تَجَلَّى أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلُّوا، وَإِنْ صَلَّوْا الصُّبْحَ، وَقَدْ غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا صَلَّوْا لِخُسُوفِ الْقَمَرِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَيُخَفِّفُونَ الصَّلاَةَ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ افْتَتَحُوا الصَّلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ فَلَمْ يَفْرُغُوا مِنْهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَتَمُّوهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَخْطُبُ بَعْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بَعْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلَّى الْإِمَامُ صَلاَةَ الْخُسُوفِ صَلاَةَ خَوْفٍ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ صَلاَةَ خَوْفٍ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُصَلِّي صَلاَةَ الْخُسُوفِ، وَصَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ إيمَاءً حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا، وَمَاشِيًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُطْبَةُ وَالصَّلاَةُ تَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلاَ يَضُرُّهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلَى الْعَدُوِّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلَّوْهَا صَلاَةَ خَوْفٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ صَلَّوْهَا صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَالِبِينَ وَمَطْلُوبِينَ لاَ يَخْتَلِفُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَتَى غَفَلَ عَنْ صَلاَةِ الْكُسُوفِ حَتَّى تَجَلَّى الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ صَلاَتُهَا، وَلاَ قَضَاؤُهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ غَفَلُوا عَنْهَا حَتَّى تَنْكَسِفَ كُلُّهَا ثُمَّ يَنْجَلِيَ بَعْضُهَا صَلَّوْا صَلاَةَ كُسُوفٍ مُتَمَكِّنِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا خَائِفِينَ، وَلاَ مُتَفَاوِتِينَ، وَإِنْ انْجَلَتْ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الصَّلاَةِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْهَا، وَهِيَ كَاسِفَةٌ حَتَّى تَعُودَ بِحَالِهَا قَبْلَ أَنْ تَكْسِفَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ انْكَسَفَتْ فَجَلَّلَهَا سَحَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ حَائِلٌ مَا كَانَ فَظَنُّوا أَنَّهَا تَجَلَّتْ صَلَّوْا صَلاَةَ الْكُسُوفِ إذَا عَلِمُوا أَنَّهَا قَدْ كَسَفَتْ فَهِيَ عَلَى الْكُسُوفِ حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا بِتَجَلِّيهَا، وَلَوْ تَجَلَّى بَعْضُهَا فَرَأَوْهُ صَافِيًا لَمْ يَدَعُوا الصَّلاَةَ لِأَنَّهُمْ مُسْتَيْقِنُونَ بِالْكُسُوفِ، وَلاَ يَدْرُونَ انْجَلَى الْمَغِيبُ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَنْجَلِ، وَقَدْ يَكُونُ الْكُسُوفُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَتَنْكَسِفُ كُلُّهَا فَيَتَجَلَّى بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يَتَجَلَّى الْبَاقِي بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ طَلَعَتْ فِي طَخَافٍ أَوْ غَيَانَةٍ أَوْ غَمَامَةٍ فَتَوَهَّمُوهَا كَاسِفَةً لَمْ يُصَلُّوهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا كُسُوفَهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا تَوَجَّهَ الْإِمَامُ لِيُصَلِّيَ صَلاَةَ الْكُسُوفِ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْكُسُوفَ، وَإِنْ كَبَّرَ ثُمَّ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ أَتَمَّ صَلاَةَ الْكُسُوفِ بِكَمَالِهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ فَأَكْمَلَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ يَزِيدُ كُسُوفُهَا أَوْ لاَ يَزِيدُ لَمْ يُعِدْ الصَّلاَةَ، وَخَطَبَ النَّاسَ لِأَنَّا لاَ نَحْفَظُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي كُسُوفٍ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَصَلاَةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ كَصَلاَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لاَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا كَمَا يَجْهَرُ فِي صَلاَةِ الْأَعْيَادِ، وَأَنَّهَا مِنْ صَلاَةِ النَّهَارِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ لِأَنَّهَا مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، وَقَدْ سَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ‏.‏

الْخُطْبَةُ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ نَهَارًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ فِي الْأُولَى حِينَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْأُولَى جَلَسَ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا فَرَغَ نَزَلَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَجْعَلُهَا كَالْخُطَبِ يَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَضِّ النَّاسِ عَلَى الْخَيْرِ، وَأَمْرِهِمْ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَخْطُبُ فِي مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ، وَيُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لاَ حَيْثُ يُصَلِّي الْأَعْيَادَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ، وَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ بِالْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ خَطَبَ رَاكِبًا، وَفَصَلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ كَالسَّكْتَةِ إذَا خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْمَعَ الْإِمَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكُسُوفِ، وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَيُنْصِتُ لَهَا، وَإِنْ انْصَرَفَ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا أَوْ تَكَلَّمَ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلْقَوْمِ بِالْبَادِيَةِ وَالسَّفَرِ، وَحَيْثُ لاَ يَجْمَعُ فِيهِ الصَّلاَةَ أَنْ يَخْطُبَ بِهِمْ أَحَدُهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ إذَا صَلَّوْا الْكُسُوفَ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ أُحِبُّ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْطُبْنَ إذَا لَمْ يَكُنَّ مَعَ رِجَالٍ‏.‏

الْأَذَانُ لِلْكُسُوفِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ أَذَانَ لِكُسُوفٍ وَلاَ لِعِيدٍ وَلاَ لِصَلاَةٍ غَيْرِ مَكْتُوبَةٍ، وَإِنْ أَمَرَ الْإِمَامُ مَنْ يَصِيحُ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ أَحْبَبْت ذَلِكَ لَهُ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ‏.‏

قَدْرُ صَلاَةِ الْكُسُوفِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ فَيُكَبِّرَ ثُمَّ يَفْتَتِحَ كَمَا يَفْتَتِحُ الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ قَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ لاَ يَحْفَظُهَا ثُمَّ يَرْكَعَ فَيُطِيلَ، وَيَجْعَلَ رُكُوعَهُ قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْفَعَ، وَيَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا، وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْفَعَ، وَيَسْجُدَ ثُمَّ يَقُومَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ بِقَدْرِ سَبْعِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْفَعَ فَيَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَسْجُدَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ جَاوَزَ هَذَا فِي بَعْضٍ وَقَصَّرَ عَنْهُ فِي بَعْضٍ أَوْ جَاوَزَهُ فِي كُلٍّ أَوْ قَصَّرَ عَنْهُ فِي كُلٍّ إذَا قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي مُبْتَدَأِ الرَّكْعَةِ، وَعِنْدَ رَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ تَرَكَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ صَلاَةِ الْكُسُوفِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ أَوْ الْقِيَامِ الثَّانِي لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَمَا إذَا تَرَكَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا كَأَنَّهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ ثُمَّ رَكَعَ فَرَفَعَ فَلَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى رَفَعَ ثُمَّ يَعُودُ لِأُمِّ الْقُرْآنِ فَيَقْرَؤُهَا ثُمَّ يَرْكَعُ، وَإِنْ تَرَكَ أُمَّ الْقُرْآنِ حَتَّى يَسْجُدَ أَلْغَى السُّجُودَ، وَعَادَ إلَى الْقِيَامِ حَتَّى يَرْكَعَ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يُجْزِئُ أَنْ يَؤُمَّ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ إلَّا مَنْ يُجْزِئُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنْ أَمَّ أُمِّيٌّ قُرَّاءً لَمْ تُجْزِئْ صَلاَتُهُمْ عَنْهُمْ، وَإِنْ قَرَءُوا مَعَهُ إذَا كَانُوا يَأْتَمُّونَ بِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ أَمَّهُمْ قَارِئٌ أَجْزَأَتْ صَلاَتُهُ عَنْهُمْ، وَإِذَا قُلْت لاَ تُجْزِئُ عَنْهُمْ أَعَادُوا بِإِمَامٍ مَا كَانَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً، وَإِنْ تَجَلَّتْ لَمْ يُعِيدُوا، وَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ مِنْ الْإِعَادَةِ إلَّا وَاحِدًا أَمَرْت الْوَاحِدَ أَنْ يُعِيدَ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمَرْتُهُمَا أَنْ يَجْمَعَا‏.‏

صَلاَةُ الْمُنْفَرِدِينَ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرٍو أَوْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ زَمْزَمَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَحْسَبُ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ إلَّا أَنَّ الْوَالِيَ تَرَكَهَا لَعَلَّ الشَّمْسَ تَكُونُ كَاسِفَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمْ يُصَلِّ فَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ لَعَلَّ الْوَالِيَ كَانَ غَائِبًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلاَةِ‏.‏

قال‏:‏ فَهَكَذَا أُحِبُّ لِكُلِّ مَنْ كَانَ حَاضِرًا إمَامًا أَنْ يُصَلِّيَ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ صَلاَةَ الْكُسُوفِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلاَنِيَةً إنْ لَمْ يَخَفْ وَسِرًّا إنْ خَافَ الْوَالِي فِي أَيِّ سَاعَةٍ كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَأَحْسَبُ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ تَرَكَهَا فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ اتِّقَاءً لَهُمْ فَأَمَّا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى فَيَذْهَبُ إلَى أَنْ لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ لِطَوَافٍ وَلاَ غَيْرِهِ، وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْعَصْرِ لِطَوَافٍ، وَالصَّلاَةُ الْمُؤَكَّدَةُ تُنْسَى، وَيَشْتَغِلُ عَنْهَا، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ صَلاَةِ الْكُسُوفِ عِنْدِي لِمُسَافِرٍ وَلاَ مُقِيمٍ، وَلاَ لِأَحَدٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ فَيُصَلِّيَهَا كُلُّ مَنْ وَصَفْت بِإِمَامٍ تَقَدَّمَهُ، وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ إمَامًا وَيُصَلِّيَهَا كَمَا وَصَفْت صَلاَةَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ خُسُوفُ الْقَمَرِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الَّذِي، وَصَفْت فَذَكَّرَهُمْ لَمْ أَكْرَهْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَرَجُلٌ مَعَ نِسَاءٍ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَلَّى بِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِهِنَّ فَلاَ بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كُنَّ اللَّاتِي يُصَلِّينَ نِسَاءً فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ الْخُطْبَةُ، وَلَكِنْ لَوْ ذَكَّرَتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ كَانَ حَسَنًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَحْدَهُ صَلاَةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي الْمَكْتُوبَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلاَ أَكْرَهُ لِمَنْ لاَ هَيْئَةَ لَهَا بَارِعَةً مِنْ النِّسَاءِ، وَلاَ لِلْعَجُوزِ، وَلاَ لِلصَّبِيَّةِ شُهُودَ صَلاَةِ الْكُسُوفِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ أُحِبُّهَا لَهُنَّ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ أَنْ يُصَلِّينَهَا فِي بُيُوتِهِنَّ‏.‏

الصَّلاَةُ فِي غَيْرِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ آمُرُ بِصَلاَةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ، وَلاَ ظُلْمَةٍ، وَلاَ لِصَوَاعِقَ، وَلاَ رِيحٍ وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ، وَآمُرُ بِالصَّلاَةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا يُصَلُّونَ مُنْفَرِدِينَ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ‏.‏